-A +A
ابتهال مبارك
التعذيب وما أدراك ما التعذيب؟
قليله مثل كثيره، لذلك فالحديث عن تقنين التعذيب لحالات قصوى، ليس إلا محاولة مضحكة وبائسة من اليمين الأمريكي لتبرير تورط الإدارة الأمريكية السابقة في ملف التعذيب الشائك الذي تظهر خباياه للسطح يوما بعد يوم، مجبرة الأمريكان يمينهم ويسارهم ووسطهم على التساؤل بصوت عال حينا، وخافت خجل أحيانا أخرى: كيف حدث كل هذا باسمنا، باسم أمريكا ؟

الأمريكي الذي يحمل هذا الإرث المخزي، ويتعايش معه رغما عنه يوميا هو أوباما، الذي يواجه حاليا ضغطا يشتد وطأة قد يجبره على اتخاذ خطوة سياسية ضد الإدارة السابقة رغب في تفاديها بشتى الطرق. لكن تواتر الأنباء بشكل متسارع مؤخرا والتي تكشف حقائق مغيبة للمرة الأولى للرأي العام الأمريكي والعالمي قد لايساعده على ذلك. الحقائق الجديدة وضعت وكالة الاستخبارات الأمريكية، السي آي إيه، هنا في وضع المحاصر من الجهات الأربع، على حد تعبير تحقيق النيويورك تايمز الأحد الماضي. الخبر الأول يقول إن السي آي إيه وبأوامر مباشرة من نائب الرئيس السابق ديك تشيني أخفت تفاصيل برامج مكافحة الإرهاب عن الكونغرس مما يعد خرقا للقوانين الأمريكية، وعلي أن أعترف أن هذا الخبر لم يفاجئني البتة بل والحقيقة ربما أراحني نوعا ما فلو كان الكونغرس يعلم وبشكل دقيق ماكان يدور في تلك «البرامج» لكانت هذه المصيبة بعينها. والخبر الثاني الذي أسعدني أيضا وجدد لي الثقة في شخص أوباما هو قراره بفتح التحقيق في ملف القتل الجماعي في سجون أفغانستان من قبل القوات المحلية الحليفة، وهو ملف منعت إدارة بوش السابقة أي تحقيق فيه. الخبر الثالث والأهم والذي ربما يجيب قريبا عنوان مقالتي، هو مايتردد حاليا منذ يوم السبت الماضي عن نية وزير العدل ايريك هولدر في تعيين مدع مستقل للبت في ملف تعذيب السجناء بتهمة الإرهاب . أما الخبر الرابع وهو المضحك المبكي والذي إن تم التأكد منه ونشر كافة تفاصيله سيتأكد للكل هنا بأن بوش الابن وزمرة المحافظين الجدد لم يقوموا بتعذيب حفنة من الإرهابيين فحسب، بل وحاولوا العودة بأمريكا إلى الخمسينات من القرن الماضي، حقبة ما أصبح يدعى بالماكارثية حيث تم إلجام الكثير من الأصوات الأمريكية المستقلة إبان الحرب الباردة وتحجيمهم بتهمة «الشيوعية»، الخبر يقول بأن تحقيقا مستقلا قام به خمسة مفتشين يوضح تورط وكالة الأمن القومي في محاولات تنصت محلية على أمريكيين وذلك ضمن برامج مراقبة غير معلنة، والتخمين هنا بالطبع أن التلصص والتنصت طال صحفيين وكتابا معارضين لسياسات بوش.
كل هذه الأخبار الأربعة يستحق مقالات عدة للتوقف علىها بدقة، لكن بالعودة بشكل دقيق لتساؤلي المعنون في هذه المقالة نرجع إلى الخبر الثالث، وهو ماسرب للصحف هنا عن ما يدور في أروقة وزارة العدل الأمريكية هذه الأيام من رغبة وزير العدل ايريك هولدر بعد تردد طويل في تنصيب جهة قضائية مستقلة وإعطائها صلاحيات واسعة لطلب كافة الوثائق الرسمية للتحقيق في ملف تعذيب السجناء المشتبه في تورطهم بالإرهاب. تحدثت في مقالي السابق عن ما أصبح يدعى بمذكرات بوش للتعذيب والتي شرعت وسائل تعذيب طالما منعتها القوانين الأمريكية ولازالت تمنعها القوانين العالمية ولكن المثير للسخرية أن الحديث عن التعذيب الذي تتناقله وسائل الإعلام الأمريكية هنا بنهم نقدا وتحليلا بعد نشر الوثائق وحجب صور يشتبه فيها تصوير التعذيب في سجون أمريكية خارج الحدود وغيرها الكثير فتح ليس الكثير من الجدل فحسب بل و تحول الحوار الى مايسمى الآن بسوء استخدام التعذيب. أفاد تحقيق موسع في مجلة النيويوركر الشهيرة نهاية الشهر الماضي بأن المحققين لم يكتفوا بالفسحة التي وفرت لهم غطاء قانونيا بل تعدوها بمراحل. ففي طريقة الإغراق بالماء تعدى المحققون السقف الأعلى المحدد باثنتين وعشرين مرة في الثانية التي وصلت إلى 183 محاولة إغراق لسجين واحد، متجاهلين أيضا الأوامر باستخدام أقل كمية من الماء إلى استخدام جرعات كبيرة منه في محاولة الإغراق الواحدة، ألم أقل لكم إن قليل التعذيب مثل كثيره؟ ليس هذا فحسب بل إن تحقيقا عرض في برنامج بانوراما في الب بي سي البريطانية يوم الإثنين الماضي يقول على لسان محقق سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية يؤكد أن تعذيب أبوزبيدة الذي لايزال محتجزا في جوانتانامو حتى يومنا هذا بدأ في نهاية مايو أو بالكثير بداية يونيو 2002 والذي يعني أن التعذيب الذي شرع عنوة قد تم العمل حتى قبل تشريعه في أغسطس 2002.
ebtihalus@gmail.com